الأربعاء، 10 أبريل 2013

فضيلة الشر

لو لم يكن مبارك فاسدا لما ثار المصريون علي عيشتهم السوداء .. و لو نجحت الثورة و وصل الثوار إلي الحكم لأنتهي الصراع السياسي في مصر ، ما كانت هناك حلقات النقاش المحتدم المثير التي تنبري فيها بين مؤيد و معارض في الجامعة و في الأتوبيس و في الشارع و علي المقهي لتثبت صحة موقفك.
فلماذا لا يصل إلي الحكم إلا الفاسدون ؟ و لأن السؤال فلسفيا جدليا فلن تجد له جوابا معقولا مقنعا .. فلا قيمة لسؤال مجهولة إجابته.

لكن السؤال الأهم الآن هو كيف كانت حياتنا ستكون لو لم يصل الفاسدون إلي السلطة ؟! ، لو كان مديرك في العمل و أستاذك في الجامعة يقدر عملك و عقلك ؟ ، لو كان لك العمل الذي تحب ؟ لو كان زواجك ممن أحببت بدون تلك التعقيدات المادية و الاجتماعية ؟ ، لو كانت الموصلات جيدة و مريحة ؟ ، لو كان الطقس معتدلا فلا هو حر "نار" و لا هو برد  "ثلج" ؟

كيف كانت الحياة ستكون لو كانت أمك لا تعيد علي مسامعك الكلام مائة مرة ؟ لو كانت لا توبخك أيما توبيخ علي كل صغيرة و كبيرة ؟ ، لو كان أباك يداه مبسوطاتان يعطيك من المال ما تشاء ؟ ، لو كان الناس جميعهم من ذوي الأخلاق الرفيعة ؟ لو كان الناس جميعهم يقرءون فيستفيدون بما قُرء ؟ لو كانت البشرية تتعلم من أخطاء الماضي فلا تكررها ؟ لو كان كلامي هذا يغير النفوس و الطبائع ؟!!

ثم كيف كانت الحياة ستكون لو كان عملك لا يحتاج إلي مجهود ؟ لو لم يكن طموحك فوق واقعك و فوق قدراتك أصلا ؟ لو اننا لا يقيدنا وقت و لا مكان و لا آخرين ؟ لو كان نيل المطالب بالتمني ؟
كيف كانت الحياة ستكون لو لم يكون هناك موت ؟!

لو لا المرض ما كان هناك طبيب ، لو لا النزاع ما كان هناك قاضي ، و لو لا المغفلون ما كان هناك فيلسوف ! .. لوان كل شيء يسير كما ينبغي لما كانت هناك فائدة من الحياة !!

إن كفاح الإنسان ضد الشر ، و سعيه المتصل إلي الأفضل لهو الذي يجعل للحياة هدفا .. بل إنه هو الحياة ذاتها ..
إن الانسان يكافح حتي الموت رغم أنه يدري أنه لن يري ثمرة كفاحه .. و لكنه يكافح علي أية حال ..
أن الانسان كفاحه الدائم هو الذي يحرك الحياة ، و " الحكاية " كلها في الحركة ، سر الحياة يكمن هنا ، في الحركة الدئوبة بلا انقطاع رغم ضعف الأمل و قلة الحيلة.

إن الشر وجوده هو الذي أوجد شيء أسمه الخير .. جعلنا نأمل و نتمني ، جعلنا نعيش
إن الشر يصبح حينئذ فضيلة ، إذا كان هو الذي يعطي حياتنا المعني

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق