السبت، 9 مارس 2013

اللعبة .. قصة " مش " قصيرة



في تلك الحارة المكتظة ، التي ضاقت بساكنيها ، و التي أختلطت فيها الدخان المتصاعد من مدخنة ذلك الحاتي مع الدخان المتصاعد من " شكمان " السيارة المتهالكة مع الدخان المتصاعد من ذلك المقهي ..
حسنا المقهي .. ذلك المقهي الراقد في سكون علي " ناصية " تلك الحارة منذ عهد قديم ، ربما عمر ذلك المقهي من عمر تلك الحارة.

يدخل ذلك الشاب الأنيق المقهي ، و ربما تكون تلك المرة الأولي التي يدخل فيها ذلك المقهي أو يدخل أي مقهي عموما ! ، فهو من أبناء الحسب قل عنه ارستقراطيا أو برجوازيا إن شئت ، و لكنه ذو خلق دمث و تربية حسنة و عقل جدير بالاحترام علي أي حال
قلما نجد شابا لم تتلفه وفرة المال أو يصيبه بالغرور و الأنانية و التفاهة و سطحية التفكير .. و هذا الشاب من هؤلاء القلائل ..

يلقي الشاب نظرة عامة علي المقهي كما يلقي المقهي نظرة عامة علي ذلك الشاب ، فهو غريب ، و لا شك ففي مثل ذلك المقهي الوجوه معروفة ، و لكنهم لا يطيلون التمعن فيه فهو ليس مرشح للانتخابات سيقوم بتوزيع لحوم و خضروات عليهم و لا هو ضابط شرطة سيقوم بسحب أحدهم بدون إبداء أسباب و ربما بدون أسباب أصلا .. إذن فلا يهم من يكون

أما هو فأخذ يقلب النظر بين ذلك الرجل الذي يشكو من زوجته ، و بين هؤلاء الأصدقاء الذين يلعبون الطاولة  " علي المشاريب " ثم يلقي النظر هناك بين هؤلاء الشباب المجتمعون حول مبارة " البرسا و الريال " ، رائع .. هو مثلهم يحب كرة القدم و لكن ليس في تلك الحالة التي تساوي عنده بين برشلونة و ريال المدريد و فريق سكر الحوامدية ! .. حيث تتساوي عنده الآن كرة القدم و السياسة و العلم .. كله عبث !

إن ذلك الشاب ما قاده شيء إلي هنا غير العبث ..
ها هو يبدو قد وجد ضالته ، رجل عجوز يجلس وحيدا في نهاية المقهي لا يفعل شيء يبدو انه منتظر شيء ما ، شق الشاب صفوف الجالسين ليصل إلي العجوز و استأذنه في الجلوس ، فأومأ الرجل له بالموافقة ، فجلس و ألقي السلام .. ثم فصل بين المتجاورَين صمت عميق !

فقطع الشاب الصمت قائلا:
- أتنتظر شيء ما ؟
- أنتظرت كثيرا و لكن لم يأت شيء أبدا
- إذن ماذا ..
فيقاطع الرجل مستطردا
- حتي و إن أتي شيء .. فالأشياء عندما تأتي متأخرة تفقد لذتها ..
- إذن ما دمت لا تنتظر أحدا لماذا تجلس وحيدا هنا أيها الشيخ ؟
- .... ( ينظر الرجل أمامه و لا يجيب )
الشاب معتذرا:
- عفوا إن كنت تدخلت في شأنك و إن كنت قطعت عليك وحدتك و لكني شعرت انك تحتاج العون

فيتنهد الرجل طويلا ثم يقول:
- أنا أجلس هنا منذ زمن بعيد ، أراقب الأيام و انتظر النهاية
- أتتمني الموت ؟!!
- حتي الموت عندما نريده لا يأتي أبدا ، و يصبح انتظاره ثقيلا 
- لماذا لا تنظر إلي الغد ؟
- لا فرق بين أمس و اليوم و غدا إلا الفرق الزمني ! ، إننا نعتقد دائما أن غدا أفضل لأنه لم يأت بعد ..
فتتملك الدهشة ناصية الشاب و يتسأل في عجب:
- إذن لماذا تعيش الآن ؟
- كان الأفضل أن لا أُولد من الأصل

بمزيد من الدهشة يسأل الشاب:
- أنا لا أفهمك ..
- أنظر إلي ذلك النرد الذي يلعبون به هناك .. مهما يكن الوجه الذي سيبتسم لهم و كيف ما ستنتهي اللعبة .. فائز او مهزوم سيمضي كل منهم إلي بيته و يجئ غدا ليعاود اللعب
- في الواقع انا جئت أبحث عندك عن المعني ، و لكنك ضاعفت حيرتي !
- يا بني اللعبة تعزيك عن المعني و لكنها لا تفسره
- إذن لماذا لا تلعب معهم ؟
- لا معني عند من يلعب إلا إذا وجد من يشاهد ، و كذلك الدنيا هناك من يعيشون الحياة و هناك من يقفون علي مسافة بعيدة منها يحاولون فهمها .. فإذا أردت أن تفهم فليس عليك غيرالانتظار ..

(( انتهي ))

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق