يراودني تساؤل دائم حول أحوالنا في هذا العصر ، إن أهم ما يميز عصرنا هذا أنه لا يعيش بيننا أنبياء ، بل و إننا نعلم أنهم لن يأتوا و أن عصر الأنبياء قد انتهي ! ، فإن هذا يفتح لنا أبواب من الإجتهاد و من التأمل ، فربما وجودهم كان سيفسر لنا أمور كثيرة و سيحسم لنا أمور أخري ، إنها سلسلة من المقالات نتناول فيها بعض جوانب ذلك العصر ، عصر اللا أنبياء ..
الأصنام !
لو كنت من هواة التصفيق و العشق المطلق سواء لإنسان أو شيء مادي أو حتي فكرة و رأي ؛ فلا تكمل معي بعد هذه الكلمة ، فربما كلماتي لا تروق لك فأنا أتحدث إلي الباحثين عن الحقيقة ، فهي هواية ليست سهلة تحتاج مجاهدة النفس قبل مجاهدة العقل .. و إن أشد أنواع الجهاد لهو ذلك الجهاد الداخلي بينك و بين نفسك ، و بينك و بين عقلك ، لا ذلك الذي بينك و بين الناس.
و لذلك كان قول الرسول الكريم: "ليس الشديد بالصرعة ، و لكن الشديد من يملك نفسه عند الغضب"
فما ارتفع الإنسان مكانة بين المخلوقات جميعا إلا لتلك المقدرة ، فالحيوانات جميعها تتناحر جهادا في سبيل الطعام و الجنس و الأمان !
فإن تناحر الإنسان حتي و لو كان من أجل فكرة فهو هبوط نوعي إلي درجة من درجات الحيونية ، فلا توجد فكرة حقيقة بالتأييد المطلق .. ثم إن التناحر هي لغة القوة لجأ إليها الحيوان لأنه يفتقد العقل ، فجسده هو كل ما يملك كي يدافع عن أفكاره المادية - الشهوات - فيُفني الغير ليحافظ عليها .. أما و إن خاطبنا العقل فهي لغة الإقناع و الحجة و يمكنك أن تجعلني أعتنق فكرتك إن أثبتَّ لي صدقها ، وكذلك العكس.
إن للأفكار شهوة مثلها مثل الطعام و الجنس أعرف هذا تماما ، نحن فطرنا علي أن نشتهي الشيء و إلا زهدنا فيه !
و من هنا كان البحث عن الحقيقة وسط أصوات الحمقي من جهة و أهواءك أنت الشخصية من جهة آخري مسألة لا تتيسر إلا لمن يدأب التجرد من أهواءه. هل لي أن أخبرك بسر قد لم تلتفت إليه يوما ، هل تعلم أنك لا تنتمي إلا نفسك ؟! نعم انت لا تنتمي لفكرة أو دين أو وطن إلا لأنه يعبر عنك ! لأنه التيار الذي لقي في نفسك هوي و وافق عقلك.
فانت تحاول دائما إثبات أنك ( او ما تنتمي له ) هو عين الصواب و أن الباقين مساكين لا يدركون الحقيقة التي أدركتها أنت بألمعيتك و ذكاءك ! ، شد ما تكون علي باطل إن جرفتك نفسك لهذا الشعور. فإن الأفكار جميعها صوابا و خطأ و لكن كل شيء صحيح إلي حد ما ، خاطيء إلي حد ما ..
لا يوجد حزب أو فصيل أو فئة دائما علي صواب ، و لما كان الأنبياء معصومين من الخطأ فكان ذلك بقدرة ربانية لا يمنحها الله إلا فيما ندر لحكمة معينة في زمن محدد ، بعد ذلك فكل شيء قابل للجدال و النقاش ، و كل إنسان يخطيء و يصيب.
و لكننا الآن في عصر اللا أنبياء ، و في مثل هذا الزمان لا يمكننا ان نتعيين الحقائق علي وجه الدقة و إنما فقط يكفينا ان نتحسس موضع من مواضع الحقيقية فلا نعلم إن كان قد هدانا الله لها أم لا !
فصراع العقل مع النفس هو الصراع الحقيقي للإنسان لا تلك الحروب الشعواء و لا ذلك العراك الهمجي ، والعقل الواعي هو القادر علي احترام الفكرة و لو لم يؤمن بها كما يقول أستاذنا نجيب محفوظ . فاحترامك للفكرة لابد و أن يسبق إيمانك بها ، لأن الاحترام وعي فإن أمنت بلا وعي فهي عقيدة مزعزعة تدفعها الأفكار الأخري لمنطقة التناحر لا تسمو بها للنقاش العقلي الهاديء.
إربأ بنفسك أن تذل قدميك في صراع لا يسمن و لا يغني من جوع تكن دائما من جنود الحق.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق