صباح الأربعاء التاسع من نوفمبر 1932
البيت تدب فيه حركة غير معتادة .. الصباح لم يشرق علي قريتنا الصغيرة كما تعودنا علي أصوات الديكة الصائحة و الجرار يحرث الأرض و العصافير بين الأشجار حالمة
ثمة شيء غريب .. أصوات صيحات مكتومة ، ابتهالات و إلحاح في الدعاء ، في كل بيت هناك كارثة تداهمه و تحوم حوله لا أعرف تحديدا و أنا في هذه السن الصغيرة معني لذلك الأنين المصاحب للغثيان و القيء الشديدين الذي تصيح به القرية هذا الصباح*************
في مساء تلك الليلة عرفت أن الموت ذا الوجه العكر قد حصد أرواح الكثير من أهالي بلدتي. لم أفهم وقتها ماذا يعني لي الموت غير أنني لن ألعب بعد اليوم مع " منصور " صديقي و لن أذهب الي دكان عم " حسانين " ليعطني بعض الحلوي عطفا عليّ
يالهذا الشيء السمج الذي أسمه الموت يمنعني اللعب و الحلوي .. كم أكرهه هذا الشرير
-------------------------------------------------------
الجمعة السابع عشر من مارس 1944
الأيام تمر بلا هوادة .. لا وقت لشيء الا للعمل ، لا وقت حتي أن نفكر في الوقت ، ان نفكر متي يعود أخي ، فإما العمل و إما الجوع. حسبي الله في الحرب و ويلاتها أخذوا أخي في تلك الحرب التي لا ناقة لنا فيها ولا جمل . أخي هو عائل أسرتنا بعد وفاة أبيألم يفكروا أولئك الجبابرة في مصير أسرتنا بعد أن يرحل أخي الي الحرب ؟ ، ثم إن ما علاقة أسرتنا بتلك الحرب المجنونة بين الحمقة هتلر و تشرشل و موسوليني و إنكارت ، لا يوجد سبب واحد يقنعني بحرب ضروس تودي بحياة عشرات الملايين !! .. لابد أنه الجنون
***************
الأيام أحيانا لا تمهلنا بعض الوقت حتي كي نتمني ، تشح علينا حتي بأن نحلم بالراحة ...
أخي قُتل في الحرب .. هكذا حل علينا الخبر صاعقا ، أنقطعت رسائله منذ فترة و لكن أسرتنا مريضة بداء الأمل
ها هو الموت يطل عليّ بوجهه القبيح من جديد ، لماذا لا يريد أن يتركني و شأني ؟ لماذا تنتزع مني كل ما يربطني بتلك الحياة أيها الغبي الذي لا يفرق بين من يستحق الحياة و بين من لا يستحقها !
------------------------------------------------------------
الخميس الثامن عشر من إبريل 1974
كم نحن ماريونت في أصابع الزمن ، يذهب و يعود و يحركنا كيف يشاء ..إننا نظن كثيرا إننا في حرية تامة نستطيع أن نفعل كل ما في وسعنا .. إننا في الحقيقة خائبون الظن إذن
أعيش الآن في القاهرة بين زوجتي و أولادي .. الحياة ليست كريمة معنا و لكنها لا تضنو علينا كذلك ، الشكر لله علي كل حال
******************
جرس الباب يدق بشدة ، قلبي يدق أشد ، لازلت ممن يأملون في رحمة الزمان ..
كان ما توقعته .. الجماعات الجهادية المتشددة في قمة نشاطها الآن إنها تمارس الارهاب في أبشع صوره و للأسف ذلك باسم دين الله .. كم أضيق ذرعا بهذا السخف ، كم أضيق ذرعا بهؤلاء من محدودي العقول
أكبر أبنائي مصيبتي تلك المرة .. فاجعة جديدة تحل بي بعد أن ظننت أن الموت نسي الطريق الي ، بعد أن ظننت أني تركته في القرية ضمن ما تركت من بيت و أرض عاد ليوجعني من جديد ..
----------------------------------------------------------
السبت الثاني و العشرون من يناير 1983
آه .. لا أريد الدواء ، كفي عند هذا الحد ، لماذا أتناوله ؟ سيطيل عمري كم يوما إضافيا ؟ كم شهرا حتي ؟لا كفي تشبثا بالحياة .. سأواجهك هذه المرة لن أهرب منك لن أدفن رأسي في الحياة ، لن أختبئ فيها منك إنك كنت دائما لي بالمرصد تكدر صفو الحياة ، ترهقني ألما
مواجهتك هي نهاية كل ألم ..
لا فرار من الموت بعد الآن ، بل إني طامح في أن أنهي حياتي .. سأموت برغبتي لا برغبتك هذه المرة
أشعر بغثيان شديد من أثر كل ما تجرعته من تلك السموم
لا بأس هو آخر غثيان في حياتي علي أية حال
(( أنتهي ... ))
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق