بحكم العادة استيقظ من النوم , و بحكم العادة أتناول الإفطار حتي و لو لم أكن جوعانا - أو العكس ربما - , و بحكم العادة أتأخر علي صديقي الذي ينتظرني كل يوم لنذهب للجامعة سويا , و بحكم العادة أبتسم في وجه أصدقائي و إن لم أكن سعيدا , و بحكم العادة يسعد القلب اذا رأيت من أحب , و بحكم العادة أخلد الي النوم اذا عدت الي منزلي و لو لم أكن متعبا , و بحكم العادة أسخط من أوضاع الوطن و أوجاعه
انها ليست قصتي وحدي انها قصتكم جميعا أيها الأعزاء ...
فبحكم العادة تنام و تستيقظ .. و بحكم العادة تحب و تكره .. و بحكم العادة تسعد و تحزن .. و بحكم العادة تحيا و بحكم العادة تموت ! .. بحكم العادة تقول نفس الكلام .. و بحكم العادة تسمع نفس الكلام .. و بحكم العادة تقرأ لي هذه السطور رغم الملل الذي أصابك .. و بحكم العادة أكتب هذه السطور رغم الملل الذي أصابني ! .. الملل أصابني و أصابك و لا شيء يدفعنا للاستمرار الا العادة !
كلنا لدينا الكثير من العيوب التي لا ترضينا .. كلنا لدينا واقع نود لو أن نغيره أو حتي يغيرنا ! .. قل لي لماذا لا نغير أنفسنا ؟ لماذا لا نغير واقعنا ؟ .. سألني صديقي هذين السؤلين فأجابته إجابة الواثق " بحكم العادة " : لأننا نعيش " جوه " أنفسنا .. أنت هو أنت و إن لم ترضي عن أنت !
إن الحياة عندما تسيطر علينا تصبح شديدة الملل .. و أن تعيش سجينا داخل نفسك و داخل حياتك التقليدية لهو دافع لأن تشعر بالقرف .. لهو دافع للانتحار !
إن الحياة بدافع التعود وحده يجعلك تعيش و تعيش و تعيش .. و لكن من دون أن تشعر إنك علي قيد الحياة .. فكل شيء بالتعود يفقد قيمته .. لو أنك تسكن في بيوت من الذهب لما راق إليك منظره .. و لو أنك تتنفس رائحة العطر لما طابت إليك رائحته .. و لو أن كل ما تشتهيه تجده أمامك لزهدت فيه بكل تأكيد !
إن حياة نحياها بدافع من العادة فقط هي حياة منقوصة بكل تأكيد .. هي مملة .. هي لا تستطيع أن تمنحك الرضا و لا تستطيع أنت أن تنتزع منها السعادة
أنت لا تستطيع أن تغير شيء ما دامت تعيش داخل هذا الشيء .. فإذا أردت أن تغير ما تكره في نفسك فعليك أولا أن تخرج خارج نفسك .. و لن تخرج خارج نفسك إلا بأن تتمرد علي العادة ... و لن تتمرد علي العادة إلا عندما تشعر إنك حر
و حريتك تلك لابد و أن تكون مسئولة .. فالحرية غير المتبوعة بمسئولية هي الفوضي ... فالله خلقك حر في عالم تحكمه قوانينه
التمرد .. لا يمكن أن تتمرد علي نفسك قبل أن تفهم التمرد أصلا
فالتمرد معناه اللغوي العصيان و الخروج عن الأمر .. و هي ليست ثورة .. فالتمرد ثورة من أجل النفس و لكن الثورة هي تمرد من أجل الآخرين !
و لن تخلع عن نفسك ما تعودت عليه و أسرت فيه الا عندما تعرف حدود ذلك الأسر .. ما الذي يربطني بتلك العادة ؟ و من الذي فرض عليّ هذه العادة ؟ .. و لو تعلمون كم يُلح علي رأسي هذا السؤال ! من الذي فرض المفروض ؟ من الذي وضع القانون الذي نسير بين قيوده ؟ .. المسألة لا تبدو أبدا معقولة لو كنا نسير في طرق رسمها لنا غيرنا .. من الغباء أن نردف في أغلال سمحنا لغيرنا أن يفرضها علينا و نحن بإمكاننا أن ننطلق وثبا !
الإنسان يقضي نصف عمره يتردد في أن يصلح عيوبه و يقضي نصفه الآخر نادما علي ذلك ! .. و يضيع العمر و نحن علي حالنا .. أو قل علي عادتنا لا جديد في حياتنا إلا الشكوي .. من الزمان .. من الأصدقاء .. من الأهل .. من الحياة .. نشكو من كل العقابات و نحن أكبر عقبة أمام أنفسنا !
إننا بكل وضوح نحتاج إلي صدمة ! .. اليابانيون لم يدركوا خطر الفناء الا بعد الحرب العالمية الثانية .. عندما وجدوا قنبلة نووية تسقط علي رؤسهم بأسم الحريات الأربعة أدركوا أنهم معرضون للإبادة كما تُباد خلايا النمل ! .. في هذه اللحظة فقط استيقظوا و علموا أن عليهم الانتقال من مرحلة مصمصة الشفاه علي حالهم الي مرحلة الدق باليد و العمل
و أنت أيضا في حاجة الي صدمة .. و الإنسان الذي يظل حبيسا في قوقعة عادته ليس له فعل الا الكلام هو نصف حي .. و في الحقيقة لا يوجد أنصاف أحياء .. فإما أن تختار أن تعيش الحياة بالحرية المسئولة .. و إما أن تختار أن تموت و أنت علي قيد الحياة ! .. لا تيئس و لا تخشي شيئا .. إنها دعوة الي التمرد و أعتبروني محرضا إذا .. لا تحول كل شيء في حياتك إلي عادة .. الي ذلك الشيء الأتوماتيكي تفعله بلا فكر و بلا روح و بلا نية و بلا تدبر .. لا تصنع من نفسك آلة أو ماكينة .. فأنت أعظم من أن تكون آلة .. أنت إنسان
كلمتي الأخيرة لنفسي قبل أن تكون لك .. إن كل ما نحتاج هو قرار جريء يتخذه قلبا مفعم بالإرادة و مفتون بالحرية .. نحتاج قلبا صبره لا ينفذ و أمله لا يزحزح .. نحتاج نفسا مطمئنة عارفة بربها .. تحلق بعيدة عن إطار جسدها الضيق في حرية و تصبو إلي بارئها في أمل و تدبر .. فقط من هنا طريق التمرد علي العادة
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق