عجبا اننا نفعل الأفاعيل في كثير من الأحايين لكي نرضي غيرنا و النتيجة أننا نفشل في أن نكون كما نريد و كذلك نفشل في أن نكون كما يريد غيرنا ! ان هذه المقولة تنطبق علي صاحبنا الشاب الذي تدور به و حوله الأحداث .. فهو كمثل أي شاب في عمره كان يحلم بمستقبل مشرق و حياة مليئة بالنجاح و هو كان عاشقا للموسيقي منذ صغره .. يشده صوت العود و الكمان و الناي و هو كان يهوي تعلم الموسيقي و كان متفوقا في دراسته بما يمتلكه من سرعة بديهة و ذكاء شديد
كان يحلم بأن يدرس الموسيقي و لكنه أمتثل كارها أمام ضغط أهله و لكن ظل حلمه يراوده أو قل ظل هو الذي يراود حلمه منتظراً للحظة الفكاك من الأسر التي يحقق فيها حلمه .. و لو قلت لك كم من مرة أشتري عود أو ناي .. و لو قلت لك كم من مرة لعبت أحلامه برأسه لكي يترك دراسته و يدرس الموسيقي و لكن في كل مرة كان يعود صاغرا اما طاعة لأمر أبيه الذي كان يرده مرة باللين و ألف مرة بالشدة و اما كان يرد نفسه بنفسه لا أعرف ان كان خوفا من أهله أو خوفا عليهم من أن يصدمهم
مرت السنون و صاحبنا علي حاله .. فهو لم يستطع أن يحب ما يتعلم و لم يستطع أن يتعلم ما يحب ! ..طرق بابه الفشل لأول مرة ليس لقلة ذكاء منه و لكن لأنه لا يحب ما يصنع و لا يفهم – أو قل لا يريد أن يفهم – ما يدرس .. حالته كانت أشبه بحالتك و أنت بين النوم و اليقظة فلا أنت تغط في سبات عميق لا تدري ما يدور حولك و لا أنت تملئك اليقظة و النشاط متقد الرأس بالحيوية و مشدود الهمة بالعزيمة .. ان هذه الحالة تشعرك بالقرف و الاضطراب .. فلا انت تري كل شيء بوضوح و لا أنت مغمض العينين لا تري شيئا .. فلا أنت تسمع و لا أنت لا تسمع .. ان هذه الحالة من التواهان هي التي كانت تسيطر علي صاحبنا طوال هذه السنين .. و كان أشد ما يؤلمه و يقض مضاجعه سخرية من حوله منه خصوصا عندما تأتي من الأقربين .. فيرددون له عبارات " بلا موسيقي بلا كلام فارغ " و " عايز تبقي ألاتي " .. و " ذكرلك كلمتين ينفعوك " و الي آخر هذه الكلمات التي كانت تقع في نفسه وقع السهام المسمومة
أهٍ منك أيها الزمان فانك تفني كل شيء .. مر الزمان فقتل في صاحبنا شبابه و حيويته و راحة باله .. و حصد روحي أبيه ثم أمه كل شيء أفناه الزمان و قدر عليه الا حلمه لم تستطع الأيام أن تقتل فيه الحلم .. فانه تخرج في الجامعة منذ أعوام و التحق بوظيفة يحمل اليها نفس البغض الذي كان يحمله لدراسته .. و تزوج بضغط من أبيه أيضا .. كل هذا لم ينسه الحب الأول ... الويل لنا من الحب الأول لو كان صادقا فانه بجري في أرواحنا و أجسادنا مجري السم الذي ينتشر في العروق .. و هو لم ينسي حبه الأول -و الأخير- للموسيقي
و اليوم هو أربعين وفاة والدته الذي تلي وفاة والده بأربعة أعوام .. و رغم الحزن الشديد علي وفاة والدته الا انها كانت مناسبة كي يدب فيه احساس الحرية من جديد .. لما لا يحاول أن يعود الي هوايته و يدرسها ؟ .. انه عاد الي غرفته المغلقة في بيت أبيه و أمه التي كانت تحمل آلاته و ذكرياته .. الغرفة التي شغلته الحياة عنها .. وجد أن ألاته قد غطاها التراب و كذلك حسه الموسيقي قد غطاه التراب .. فهو الان بعد أن تخطي الأربعين و غطت الهموم و الحياة أصابعه التي يعزف بها لم يعد تعلمه للموسيقي بالأمر اليسير ...
و قد حاول مرارا و تكرارا أن يتعلم و يدرس و لكن ضغط بيته المسئول منه و عمله لم يًتيحا له فرصة .. أصبح يشعر أن الموسيقي في قلبه كما تعوّد عليها نبتة صغيرة تتعطش للماء .. عندما كان لديه الماء لم يكن لديه الفرصة أن يسقها .. و عندما أتيحت له الفرصة كان الماء قد جف !
أحيانا اذا لم نفعل الشيء في وقته يموت .. و الوقت من شدة قسوته لا يمكن أن يعود ليمنحنا ما لا نحارب لننتزعه .. كن كما شئت فانك لن تعيش مرتين !
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق