كنت تستيقظ من نومك كل يوم، تقف أمام مرآة الحمام وتقول لنفسك بصوت خفيض، "حتما ستمر تلك الأيام" ، بعدها ترتدي ملابسك وتحمل حقيبة كتبك وتهرول إلى المدرسة، سنوات مرت وأنت على هذا الحال.
سألت والدك وأنت في سن صغير "أين
الله؟" ، "لماذا خلقنا الله؟" ، "لماذا لا يهدي الله كل الناس
إليه؟" ، "لماذا ينصر الله الظالم على المظلوم؟" ، والحق ان والدك
الحنون أبدا لم ينهرك، رغم أن اجاباته التي لا تتذكرها لم تكن تشبع فضولك الطفولي.
كنت تحلم بأن تصبح لاعبا كرة قدم، وضابطا بالقوات الجوية، وسائقا، وكاتبا، ثم مرت سنوات الصبا، وحلم أباك بأن تصبح صيدلانيا، فحلمت معه بذلك، ثم أصبحت.
كنت تحلم بأن تصبح لاعبا كرة قدم، وضابطا بالقوات الجوية، وسائقا، وكاتبا، ثم مرت سنوات الصبا، وحلم أباك بأن تصبح صيدلانيا، فحلمت معه بذلك، ثم أصبحت.
إلى الذين قالوا سنغير العالم، وإلى الذين
قالوا سأعيش الحياة على طريقتي..
لم يكن يوما شخصا ما يخطط لأن يصبح مملا رتيبا ككلماتي تلك، كل الذين أصبحوا أشخاصا تقليديين قالوا يوما ما أنهم لن ينجرفوا في تيار الحياة.
لم يكن يوما شخصا ما يخطط لأن يصبح مملا رتيبا ككلماتي تلك، كل الذين أصبحوا أشخاصا تقليديين قالوا يوما ما أنهم لن ينجرفوا في تيار الحياة.
كل الذين يستيقظون من نومهم في السادسة
صباحا ويخرجون للعمل اثني عشرة ساعة قبل أن يعودوا في المساء ليناموا، كل الذين
اصبحت حياتهم حصدا للمال، كل الذين تحولت حياتهم إلى لحظة انتظار كبيرة، انتظار أن
تدق الساعة السادسة معلنة عن انتهاء ساعات العمل، انتظار يوم الجمعة، انتظار نهاية
الشهر، انتظار نهاية العام، حتى ادمنوا الانتظار.. فيأتي عليهم زمان ينتظرون فيه النهاية
الأخيرة، الموت!
وكل الذين اعتادوا تلقي اجابات جاهزة على أسئلة شغلت عقولهم لسنوات، كل الذين لم يعودوا يتفكرون، كل الذين أصبحوا يتشبعون بفهمهم لأحداث الحياة من شاشات التلفاز وصفحات الانترنت، كل الذين تركوا نائبوا الاله، وحماة الأوطان يفرضون عليهم اجاباتهم النموذجية، التي نقلها سلف عن سلف.
وكل الذين اعتادوا تلقي اجابات جاهزة على أسئلة شغلت عقولهم لسنوات، كل الذين لم يعودوا يتفكرون، كل الذين أصبحوا يتشبعون بفهمهم لأحداث الحياة من شاشات التلفاز وصفحات الانترنت، كل الذين تركوا نائبوا الاله، وحماة الأوطان يفرضون عليهم اجاباتهم النموذجية، التي نقلها سلف عن سلف.
كل هؤلاء كانوا يوما ما مثلك يا صغيري،
كلهم حلموا بأن يصنعوا عالما جديدا، كانت عقولهم بكر، لم يمسها الدنس الذي أفقدها
عذريتها، قبل أن تصطدم أحلامهم وأفكارهم بمجتمع متجمد متحجر في موضعه، وبعالم
يعاني من فقر في الخيال، ونقص في الانسانية، وضعف في شتى نواحي الطموح، وتصطدم بمن
يكفّر ومن يسفّه، وبمن يتهم بالخيانة ومن يتهم بالعمالة، ومن يتهم بالجنون ومن
يتهم بالمجون.
أنت يا صغيري تعيش في عالم يمشي بخُطة دائرية ثابتة، خطة فيها كل شيء مباح، أن تكذب، أن تنافق، أن تكره، أن تدعي ما ليس فيك، أن تشي بمن حولك، كل الجرائم الأخلاقية مباحة، ولا أحد سيتذمر ما دمت كل الأمور تسير حسب الخطة الموضوعة والمألوفة.
كنت تخشى أن تغيرك الحياة، أن يأخذك الجري
وراء شيء لا تعرفه ولن تدركه لتسير في طريق آخر، كنت تخشى على فطرتك أن تلوث،
فيمتليء قلبك كراهية تجاه من ليس على دينك أو ليس من عرقك، او ليس في حزبك.
كنت ترتعد خوفا من أن تصبح مثلهم، تصبح متعصبا قلوقا، كنت تكره أن يسيطر عليك شيء،
أو تتملكك فكرة أو رأي فتعميك عن الصواب.
أتذكر جيدا كم كان قلقك من ان يدخل أحد في
الخيط الواصل بين قلبك وبين الله، أوبين قلبك وبين الناس، أوبين قلبك وبين وطنك.
آسف لك وأنا أرى الناس قد دهسوا بأحذيتهم تلك الخيوط، لا أعرف لماذا اقتحموك، ولا
أتذكر جيدا لماذا تركتهم يفعلوا ذلك، ربما لم تكن قويا بما يكفي؟ ربما فقدت ايمانك
بنفسك وبعقلك؟ ربما تملكك الخوف؟!
هل مازالت تصدق ما كنت تقوله دائما لنفسك،
أنك حر؟ أنك ستبقى أنت؟ حسنا سأتركك الآن داخل البرواز الذي يرقد فوق مكتبي،
وسأذهب لأنظر في المرآة وأنا واثق أني لن أراك، فأنا لم أعد أنت، لقد أصبحت متعصبا
جدا لآرائي، اطيع كل أولي الأمرالذين لا أعرف من الذي ولاهم أمري، وأصبحت أطيع
مديري الثمين الأحمق طاعة تامة، وأصبحت أحب المال وأتطلع إليه، وأصبحت أصلي وأصوم
وأقرأ القرآن وأذكر الله ولكن بدون شغف، فقط بدافع العادة وأملا في أن يقتصر
العذاب على الدنيا فقط.
حتى وانت تعلم جيدا أنه ليس هناك أمل، تبقى
متعلقا بشيء ما في قلبك، شيء كما يقول عنه محمود درويش يأتي ويذهب ولكن لا تودعه،
ها أنا ذا أقوم وأتوجه لمرآة الحمام، انظر فيها فأرى رجلا غبيا لا يحمل شيئا من
براءة الطفل الذي كان في الصورة، ولكن مازلت أٌقول لنفسي.. حتما ستمر تلك الأيام..
*عنوان المقال مقتبس من عنوان رواية "Comment je suis devenu
stupide" للكاتب الفرنسي مارتن باج.

ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق