أحد لا يتصور أن في القرن الحادي و العشرين .. عصر الانترنت و الفضائيات
أنه ما زالت هناك قرية تعيش في هذا الفقر و السكون ! ، انها القرية التي
يعرف جميع أهلها بعضهم البعض ، و لا يزالون يتناقلون الأخبار من فم لفم ..
انها احد القرى الصغيرة التابعة شكليا فقط لمركز شربين التابعة لمحافظة الدقهلية ، تغرق تلك القرية في سكونها ، تشرق عليها الشمس و تغرب عشرات المرات دون أن يدب فيها أي جديد !
فلا هي يعنيها أي تغيير سياسي و لا اقتصادي تمر به البلاد ، فأهلها أبسط من ذلك كثيرا جدا ..
نزل الغريب قريتنا تلك بعد عناء في البحث و الوصول إليها ، و أول ما نزل سأل عن الدار التي يسكنها الدكتور عبد الرحيم ، بالطبع لم يفهم أحد من الدكتور عبد الرحيم أصلا !! ، إلي أن فطن أحد الفلاحين إلي مقصد الغريب فسأله بلهجة ريفية بريئة خالصة:
- قصدك عم عبـ رحيم ابن الحاج عوض اللي كان في مصر و رجع ؟؟
فاستدرك الغريب أنه أخطأ في وصفه الأول و قال كالمعتذر:
-أيوه .. قصدي هو .. فين داره ؟
فأشار الفلاح إلي أحد الغلمان الصغار أن يصحبه إلي المنزل المقصود
سار الغلام ناظرا إلي الغريب تارة باعجاب و تارة باندهاش و الغريب يلاطفه و يداعبه ، حتى فاجأ الغلام الغريب بسؤال لم يفهمه قائلا له:
- يا عم أنت جاي تزور "أرض الوَلِي" ؟؟
لم يفهم الغريب السؤال و حاول أن يستفهم من الصغير عن "أرض الولي" تلك و لكنه لم يفهم منه أكثر من أنها أرض مهجورة لم يقربها أحد مذ عقود طويلة إلا و اختفى ، و إن عاد يعود به لوسة !
لم يأخذ الغريب كلام الغلام على محمل الجد و لكنه لم يستطع منع نفسه من التفكير في تلك الأرض المهجورة !
أخيرا وصل الغريب إلى منزل الدكتور عبدالرحيم ، و هو دكتور في الفلسفة و مفكر كبير و هذا الغريب الذي حل بالقرية الهادئة هو أحد تلاميذه جاء ليزوره فاستقبله الدكتور بمنتهى الترحاب و بعد ان تبادلا التحية قال التلميذ:
- لماذا آنست العزلة هكذا يا دكتور ؟
- لقد أحسست بدنو الأجل ، و قد أتعبتني الحياة الصاخبة هناك فقررت أن انتهي هنا في هدوء
- أرجو أن لا تكون قد ضايقتك ردود أفعال الناس حول كتابك الأخير ، فأنت مفكر كبير و كثيرون يشهدون لك بذلك
- انا أفهم كيف يفكر الناس جيدا أنهم يسمعون ما يريدون أن يسمعوا ، و لو قلت لهم أن الشمس تشرق من مغربها و هم يرغبون في تصديق ذلك سيصدقوك بلا شك ..
- إذن لماذا لا تواصل ..
قاطعه الدكتور بنبرة حاسمة:
- إن المجتمع أصبح سيء ، إننا مجتمع بشع يتاجر بالناس أحياءا بصحتهم و أفكارهم ، و أمواتا بسمعتهم و أجسادهم .. و انا لا اطمع في أكثر أن أموت في هدوء ، في بساطة كالتي ولدت فيها ..
ثم خيم الصمت على المتحدثين و كأن كلام الدكتور قد قطع أي مجالا للنقاش ، ثم قطع التلميذ فجأه ذلك الصمت سائلا أستاذه عن "أرض الولي" التي حدثه عنها الغلام ، ضحك الدكتور و حكى له أنها اسطورة قديمة يوقن بها أهل البلد
فيسأل التلميذ:
- و هل حقا ما يقال عنها ؟
- لقد قلت لك ، الناس يصدقون ما يحبون أن يصدقوا ! ، اننا نخلق الأساطير ثم نتشدد في الايمان بها ، ثم نتوارث الايمان بها جيلا بعد جيل حتى ننسى أننا من خلقناها ..
- و لكن لا أحد في القرية يعرف لها أصل ؟؟
- ان سألت أحد في القرية عن أصلها سينظر لك نظرة بلهاء كمن تسأله لماذا انفك تتوسط وجهك !!
أن تسأل عن أشياء آمن الناس بأنها مسلمات لا يجوز التحدث عنها لهي خطيئة كبرى في نظر العامة . انهم فقدوا بكارة عقولهم التي دفعت الغلام للسؤال حول تلك الأرض ، إن الذين يفكرون في أصول الأشياء هم كالأطفال يندهشون من أي شيء ..
- أوتظن أنهم خلقوا هذه الأسطورة لتصبح حاجزا من الخوف يمنعهم من أن يخطئوا ؟
فأومأ بالنفي قائلا:
- لا أظن ذلك إن الناس يفعلون دائما ما يريدون ، و خلف كل ظاهر يوجد باطن آخر يتستر وراءه ! .. فلا تصدقن من يدعي أنه مغصوب على الدنيا و أن مصيره ليس ملكه ، فكلنا لا نفعل إلا ما تدفعنا ذواتنا أن نفعل
- أنا حقا مندهش من احتفاظ الناس بأسطورة كتلك الأسطورة حتى تلك الأيام !
- لا تندهش .. فهناك أمور كثيرة لا يمكننا تفسيرها ، اننا نرث أفعالنا من أباءننا و أجدادنا من دون ان نسأل و نكرر ما فعلوا حتى ان يصير ذلك طبيعيا لا سؤال فيه ..
إن السؤال و حق الاندهاش في كثير من أمور حياتنا مع الوقت يصبح محرما تماما كشجرة آدم المحرمة ، لا يجوز لنا أن نلمسها و إلا ستنكشف حقيقتنا أمام أنفسنا ..
(( انتهى ))
انها احد القرى الصغيرة التابعة شكليا فقط لمركز شربين التابعة لمحافظة الدقهلية ، تغرق تلك القرية في سكونها ، تشرق عليها الشمس و تغرب عشرات المرات دون أن يدب فيها أي جديد !
فلا هي يعنيها أي تغيير سياسي و لا اقتصادي تمر به البلاد ، فأهلها أبسط من ذلك كثيرا جدا ..
نزل الغريب قريتنا تلك بعد عناء في البحث و الوصول إليها ، و أول ما نزل سأل عن الدار التي يسكنها الدكتور عبد الرحيم ، بالطبع لم يفهم أحد من الدكتور عبد الرحيم أصلا !! ، إلي أن فطن أحد الفلاحين إلي مقصد الغريب فسأله بلهجة ريفية بريئة خالصة:
- قصدك عم عبـ رحيم ابن الحاج عوض اللي كان في مصر و رجع ؟؟
فاستدرك الغريب أنه أخطأ في وصفه الأول و قال كالمعتذر:
-أيوه .. قصدي هو .. فين داره ؟
فأشار الفلاح إلي أحد الغلمان الصغار أن يصحبه إلي المنزل المقصود
سار الغلام ناظرا إلي الغريب تارة باعجاب و تارة باندهاش و الغريب يلاطفه و يداعبه ، حتى فاجأ الغلام الغريب بسؤال لم يفهمه قائلا له:
- يا عم أنت جاي تزور "أرض الوَلِي" ؟؟
لم يفهم الغريب السؤال و حاول أن يستفهم من الصغير عن "أرض الولي" تلك و لكنه لم يفهم منه أكثر من أنها أرض مهجورة لم يقربها أحد مذ عقود طويلة إلا و اختفى ، و إن عاد يعود به لوسة !
لم يأخذ الغريب كلام الغلام على محمل الجد و لكنه لم يستطع منع نفسه من التفكير في تلك الأرض المهجورة !
أخيرا وصل الغريب إلى منزل الدكتور عبدالرحيم ، و هو دكتور في الفلسفة و مفكر كبير و هذا الغريب الذي حل بالقرية الهادئة هو أحد تلاميذه جاء ليزوره فاستقبله الدكتور بمنتهى الترحاب و بعد ان تبادلا التحية قال التلميذ:
- لماذا آنست العزلة هكذا يا دكتور ؟
- لقد أحسست بدنو الأجل ، و قد أتعبتني الحياة الصاخبة هناك فقررت أن انتهي هنا في هدوء
- أرجو أن لا تكون قد ضايقتك ردود أفعال الناس حول كتابك الأخير ، فأنت مفكر كبير و كثيرون يشهدون لك بذلك
- انا أفهم كيف يفكر الناس جيدا أنهم يسمعون ما يريدون أن يسمعوا ، و لو قلت لهم أن الشمس تشرق من مغربها و هم يرغبون في تصديق ذلك سيصدقوك بلا شك ..
- إذن لماذا لا تواصل ..
قاطعه الدكتور بنبرة حاسمة:
- إن المجتمع أصبح سيء ، إننا مجتمع بشع يتاجر بالناس أحياءا بصحتهم و أفكارهم ، و أمواتا بسمعتهم و أجسادهم .. و انا لا اطمع في أكثر أن أموت في هدوء ، في بساطة كالتي ولدت فيها ..
ثم خيم الصمت على المتحدثين و كأن كلام الدكتور قد قطع أي مجالا للنقاش ، ثم قطع التلميذ فجأه ذلك الصمت سائلا أستاذه عن "أرض الولي" التي حدثه عنها الغلام ، ضحك الدكتور و حكى له أنها اسطورة قديمة يوقن بها أهل البلد
فيسأل التلميذ:
- و هل حقا ما يقال عنها ؟
- لقد قلت لك ، الناس يصدقون ما يحبون أن يصدقوا ! ، اننا نخلق الأساطير ثم نتشدد في الايمان بها ، ثم نتوارث الايمان بها جيلا بعد جيل حتى ننسى أننا من خلقناها ..
- و لكن لا أحد في القرية يعرف لها أصل ؟؟
- ان سألت أحد في القرية عن أصلها سينظر لك نظرة بلهاء كمن تسأله لماذا انفك تتوسط وجهك !!
أن تسأل عن أشياء آمن الناس بأنها مسلمات لا يجوز التحدث عنها لهي خطيئة كبرى في نظر العامة . انهم فقدوا بكارة عقولهم التي دفعت الغلام للسؤال حول تلك الأرض ، إن الذين يفكرون في أصول الأشياء هم كالأطفال يندهشون من أي شيء ..
- أوتظن أنهم خلقوا هذه الأسطورة لتصبح حاجزا من الخوف يمنعهم من أن يخطئوا ؟
فأومأ بالنفي قائلا:
- لا أظن ذلك إن الناس يفعلون دائما ما يريدون ، و خلف كل ظاهر يوجد باطن آخر يتستر وراءه ! .. فلا تصدقن من يدعي أنه مغصوب على الدنيا و أن مصيره ليس ملكه ، فكلنا لا نفعل إلا ما تدفعنا ذواتنا أن نفعل
- أنا حقا مندهش من احتفاظ الناس بأسطورة كتلك الأسطورة حتى تلك الأيام !
- لا تندهش .. فهناك أمور كثيرة لا يمكننا تفسيرها ، اننا نرث أفعالنا من أباءننا و أجدادنا من دون ان نسأل و نكرر ما فعلوا حتى ان يصير ذلك طبيعيا لا سؤال فيه ..
إن السؤال و حق الاندهاش في كثير من أمور حياتنا مع الوقت يصبح محرما تماما كشجرة آدم المحرمة ، لا يجوز لنا أن نلمسها و إلا ستنكشف حقيقتنا أمام أنفسنا ..
(( انتهى ))
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق