الجمعة، 21 سبتمبر 2012

لعبة الشيطان .. قصة "مش" قصيرة

رجل ممن يعشقون الغوص في المجهول ، تأخذه قدميه الي حيث لا يذهب الناس ..
أخذته قدميه الي ذلك البيت المهجور ، الذي لا يفكر أحد في أن يقترب منه بعدما أثير حوله من أساطير .. حسنا سيقترب لا يحسب أنه قد يحدث أمر جلل ، اقترب الرجل من باب المنزل فسمع صوت من وراء الباب مستغيثا يقول:
- هل من أحد قريب هنا ؟؟ .. أنقذوني .. أغيثوني ..
فزع الرجل أول الأمر و لكن سرعان ما ثاب الي رشده و تمالك قواه و قال في شبه تماسك:
- من ؟؟! ..
فرد الصوت:
-أنقذني .. أنا محبوس هنا .. الباب لا يُفتح الا من الخارج .. أنقذني أتوسل إليك ..
تردد الرجل أول أمره و لكن ليس من المروءة أن لا تستجيب لمستغيث .. بذل الرجل مجهودا كبيرا ليفتح ذلك الباب الموصد  تحت استغاثات المستغيث المتواصلة و أخيرا نجح في أن يفتحه .. فقام بفتح الباب رويدا رويدا و هو متحفز للهروب أو المواجهة إن لزم الأمر !

يفتح الباب فيري ورائه ملامح لا يتبينها و لكن المستغيث لا يتحرك .. فقط يقول في صوت مطمئن:
- الشكر كل الشكر لك يا هذا .. أنت أعدتني للحياة
- لا شكر علي مروءة .. و لكن قل لي ما قصتك ؟؟
-لا تسأل كثيرا فربما إجابتي لا ترضيك ! ، المهم أني أريد أن أكافئك
- لهجتك تثير في نفسي ما لا يحمد .. من أنت و ما الذي تستطيع أن تكفئني به و أنت في تلك الحالة الرث !
- أنا أستطيع أن أمنحك كل شيء .. أي شيء .. فقط لا تسأل و تقبل مني مكافأتي ..
- لن آخذ منك شيء قبل أن أعرف من تكون !!
- حسنا .. ابن آدم يضيع وقته في السؤال كثيرا و عندما يعرف الجواب لا يرتاح له بال !
- إن لم تجبني لأغلقت عليك الباب من جديد !
- لن تستطيع ، و علي أية حال سأجيبك لتعلم أنني بعدم جوابي كنت أريد لك خيرا .. أنا الشيطان يا هذا !

سرت رعدة في جسد الرجل ، و امتزجت كل التعبيرات علي وجهه .. فكر أن يهم بالهروب و لكنه تجلد من جديد و أظهر تماسكا جديدا و قال في نبرة حادة:
- لو أنني أعرف ذلك ما أخرجتك من محبسك أيها الرجيم !
- ولكنك أخرجتني .. أصبحت صاحب معروف عليّ ولك المكافأة
- و هل يرجي خير ممن لا خير فيه !!
- فلتعرف ما هي المكافأة و لتقرر بعدها تقبلها أو ترفضها
- هات ما عندك
- أني سكافئك بشيء لم يسبق لبني جنسك أن ناله .. سأمنحك الخلود .. ما رأيك ؟؟

أطرق الرجل .. فقد بدا علي رأسه علامات استفهام كثيرة أخفاها جميعا و هم أن يجادل قائلا:
- و لكن ...
فقاطعه الشيطان قائلا:
- نسيت أن أقول لك أني لا أطيق ذرعا بالسؤال الكثير .. و نسيت أقول لك أنه شرطي الوحيد إن كنت تريد المكافأة أن لا تسأل
فعاود الرجل إطراقه و فكر مليا ثم عاد الي محاوره الرجيم يقول:
- حسنا .. قبلت و لكن بشرط
- نسيت أن أقول لك أيضا أني لا أحب أن يملي أحد عليّ شرطا و لكن قل لي ما هو ؟؟!
- أن تنساني تماما فيكون هذا لقاءنا الأخير
- هذا شرط بسيط و لكنك ستحتاج إليّ يوما ثق في هذا ..

أتفق الطرفان علي كل بنود الاتفاق و ذهب كل منهما الي حياته و مرت السنون و نسي معها الرجل لقاءه بالشيطان و لكنه لم ينسي أبدا مكافأته ، كيف ينساها و هو ينعم بالخلود ! .. هو لن يموت ، إنه دائم الحضور ..
الوقت يمضي و صاحبنا ينعم و لكن النعيم لا يدوم ثق في هذا دائما يا صاحبي !

الرجل يستدعي الشيطان بعد مائة و خمسين عاما من لقاءه الأول .. و يبدو أن كليهما لم يتغير ، يبدوان كما كانا في لقاءهما الأول فبادر الشيطان قائلا:
- أنت الذي خالفت الشرط الذي أمليته عليّ .. عموما خبرّني لماذا دعوتني لأنْ ألقاك !
- دعوتك لتخلصني من مكافأتك الملعونة أيها الرجيم !
- ملعونة ! .. أنا منحتك الأبدية منحتك الخلود .. منحتك قمة النعيم
- كان يجب أن أفطن الي لعبتك .. بل هي قمة الجحيم والله ..
- كيف يا هذا .. إن الخلود لا يكون الا للآلهة ! .. إني جعلت منك إلها علي الأرض
- إن الخلود لو كان لمن لا حدود له ... لمن يملك .. فسيجعل منه إلها ، أما الخلود لو كان لمن يقيده الزمان و المكان .. لمن لا يملك شيئا فسيجعل منه  حجرا .. حبة رمل .. نقطة  ماء في بحر خالد !!
- قل لي ما الذي حدث معك ؟
- أنت تعرف معني أنك لا تموت ؟ أن كل شيء من حولك ينتهي و تبقي أنت الباقي ! .. معني اللا موت أنك لا تعتبر من شيء ، معناه أنك لا تحرص علي شيء ، معناه أن الخوف يموت بداخلك و معه يموت الأمل ، معناه أنه لم يعد هناك فرق بين الغد و اليوم و أمس كلهم سواء ، معناه أن تموت مشاعرك فلا تأسف لمن يموت و لا تفرح لمن يولد ، معناه أن الشر ينتصر فلا هناك ساعة للحق ترد فيها المظالم ، معناه أن الحياة حدثا ممل تفعله يوميا كما لو كنت ألة ، معناه إنك حضور دائم هل تتصور هذا ؟؟ حسنا سأخبرك ، تصور أن إنسانا منذ أن ولد حتي مات لم ينم لحظة !! .. هو وجود لا يغيب !! .. إن هذا الشعور سيدفعك يوما الي الجنون و لا شك !
معني الخلود أن لا شيء له قيمة ، فإننا ندرك قيمة الأشياء لأنها تفني .. و كيف للخالدين أن يدركوا الفناء .. لماذا أعيش أنا الآن قل لي

يسمع الشيطان هذا الحديث الطويل و تند فمه عن ابتسامة خبيثة يقول بعدها:
- تعيش كي تنعم .. تتمتع
- حتي هذه المتعة فُقدت .. الحياة أن يخالط الأمل الألم ، فلا بالألم وحده يمكن لإنسان أن يحيا و لا بالأمل وحده يمكن لإنسان أن يحيا
- أنت كثير الكلام .. ماذا تريد الآن ؟؟
- أريد أن أموت !
- عفوا لقد منحتك شيء وأنت قبلته .. لتتحمل يا صديقي ما أخترت لنفسك .. نسيت أن أقول لك أيضا إنني لا أحب أن أضيع وقتي في أشياء لا تفيد فلدي ملايين من البشر يحتجونني الآن كي أمنحهم متعة كالتي أعطيتك مثلها ..
- يالك من ملعون .. ليتني لم أنقذك ....

قالها في حسرة فادحة .. فرد عليه الشيطان و هو يهم بالانصراف:
- أرجو أن لا تستدعيني مرة ثانية فلا تلبية لدعوتك بعد اليوم .. الي لقاء لا أعرف ميعاده يا صديقي
أختفي الشيطان و أحس الرجل بخدعة الشيطان .. بتلك اللعبة التي لعبها فخدعه بأسم الخلود و سلب منه الفناء !
فبكي الرجل محترقا و ظل يردد:
- إنه الجنون ، لابد أني سأجن يوما
الويل لمن لا يعرف أن في الموت نعمة .. و أن في الفناء حكمة !!

الثلاثاء، 11 سبتمبر 2012

ورقة نتيجة !

الأيام .. الشهور .. الأعوام هي ليست حروف متراصة تصنع كلمة .. و لا هي دقائق متلاحمة تصنع حدثا سرمديا لا مبلغ لنهايته ولا بدايته
الزمان ليس هو الساعة التي في يدك .. ليس موعد الذهاب إلي العمل ، و التاريخ ليس مجرد قصص مسلية ، و ليس مجرد نتيجة حائط نزيل أوراقها كل يوم !

الزمان هو مادتنا .. هو حياتك .. ، ميلادك زمان ، و موتك زمان ، نجاحك زمان ، و فشلك زمان

لو أن عقارب الساعة تدور هباءا لما بلي أحد بدورانها ولما إنزعج أحد إن توقفت ، وانما في دورانها دوران لحركة الكون .. إن في دورانها عزاء للمنتظر .. و نفاذ للقضاء .. و حياة لنفوس و موت لآخري

إن قيمة الساعات هي ما يمنحه الانسان لها ، فاليوم الذي لا يمحي من ذاكرتي قد لا يكون ذا شأن عند غيري ، و اليوم الذي سأموت فيه سيكون يوم ميلاد غيري من دون شك .. الحياة مستمرة و الزمان لا يضحك و لا يبكي ...

الإنسان مادته الزمان ، بمعني أوضح الانسان في كل لحظة مصنوع من الآن ، فلا يمكن أن يطلب إجازة ليذهب في زيارة خاطفة الي الماضي أو التطلع الي المستقبل .. فلا قص و لا تبديل و لا إعادة ، و لا يمكن أن نجري الي الامام أو نعود الي الخلف و لا حتي أن نوقفه دقيقة ، الزمان سيل جارف لا حيلة لنا فيه ، هو لا يسمع و لا يري و لا يفهم ، و لا ينضب و لا يغضب و لا يرضي ...

و بالتالي الحاضر و الماضي و المستقبل في الحقيقة شيء واحد هو الآن ،  و الماضي هو وقت اقتطعته من الحاضر لترجع فيه لأيام سابقة ، و المستقبل هو وقت إقتطعته من الحاضر لتفكر فيه في أيام قادمة .. فما الماضي و المستقبل الا ظلال مرسومة علي ورقة إفتراضية ، و العاقل هو من ينظر الي ماضيه كثيرا كي يتعلم و الي مستقبله قليلا كي لا يسأم ، و الي نهايته دوما


أما التاريخ ليس مجرد أرقاما و قصص مسلية ، و لو كان كذلك ما كانت قيمته لتساوي أكثر من ثمن ورقة علي نتيجة الحائط ، و انما التاريخ هو العبرة و الحكمة ، هو أن نتعلم ممن سبقونا لنعلّم من سيلحقون بنا ، هو أن نعي الحكمة من وجودنا ، هو أن لا نعيش في قلب الحياة و انما نعيش علي مسافة منها فننظر و نفكر و نفهم ، في أن نتذكر من ماتوا و هم في ذروة تمتعهم بالحياة ، و نتذكر من عاشوا و هم موتي علي ظهر الحياة


حسنا .. إن الله هو الدهر .. هل تعلمون معني ذلك ؟

معني ذلك إن الله - الوجود الوحيد - قد خلق الانسان من لا شيء .. خلق اللا شيء من اللا شيء عدم في عدم .. الانسان يولد من نطفة و بويضة ، يولد من اللاشيء ، ثم ينتهي و يتحول الي تراب ، الي لا شيء .. و كان لابد لهذا اللاشيء العدمي من وجود فأقتبس الله عز و جل منه وجودا .. مادة تملأ هذا الفراغ ...

فالزمان كل دقيقة فيه تشير الي وجود الله .. تشير الي النهاية المحتومة ..