الجمعة، 4 نوفمبر 2011

المقاومة صفر ..


العنوان كان لاحدي حلقات برنامج "العلم و الايمان " للدكتور مصطفي محمود رحمه الله .. كان يتحدث فيه أنه يمكن أن نصل بمقاومة أي مادة للصفر عند التبريد الشديد تحت ظروف معينة و هو ما يترتب عليه طفرة علمية هائلة كأختراع القطار الطائر مثلا !!. الحلقة جذبتني بشدة و عندما شاهدتها مجددا في هذه الأيام تذكرت يوم أن شاهدتها لأول مرة في مركز العلوم و التكنولوجيا عندما ذهبت في زيارة مع المدرسة 

و بعيدا عن رتابة الحديث عن الذكريات و المحتوي العلمي البحت الذي تتحدث عنه الحلقة .. فانها أشعلت في رأسي أفكارا و أفكارا .. اذا كانت للمادة مقاومة فهل للانسان أيضا مقاومة؟ .. بالفعل له مقاومة .. مقاومة داخلية من المناعة و مقاومة خارجية جعلته يخترع السلاح و يبتكر أساليبا للمقاومة ! .. و لكني لم أكن أقصد حتي هذا النوع من المقاومة .. خطر بذهني مقاومة اخري مقاومة للنفس ومطامعها ... فدعاة الدين و علماء النفس و الفلاسفة ما أختلفوا في غايتهم و ان اختلفوا في وسيلتهم و طرقهم .. و ذلك عندما دعو  جميعهم لكبح جماح شهوات الانسان و رغباته القاتلة .. عندما دعو الي الأخلاق و المثل العليا

هذه الأفكار قادتني ان ما يميز انسان عن غيريه المقاومة ! .. نعم كأننا أجهزة كل منا له مقاومة .. و لكن الأجهزة الكهربائية تقاوم شدة تيار الكهرباء و نحن نقاوم شدة تيار الدنيا .. شدة تيار الرغبات و الشهوات ! .. و من هنا يُقاس الفرق بين انسان و اخر كما يٌقاس فرق الجهد في الأجهزة !

و بعيدا عن هذا التشبيه يحسن القول أن الانسان عالي الخلق حسن الطباع عندما يكون قادر علي مقاومة تعصبه و طمعه .. لا تحسبن أن الانسان يمكن أن يصبح ملاك .. لا يصيبه الغرور و لا الطمع و الأنانية و لا القسوة .. و لا تمر برأسه أفكار الشر و الكراهية ! .. فهذا لقاح لابد أن يصيبنا جميعا يا عزيزي .. و لكن أصحاب الخلق هم أولئك الذين يحسنون المقاومة .. فأصحاب الشأن و الصعاليك كلهما أحب نفسه و عرف الشر و تساوي في  الاغراءات التي قدمتها له الدنيا .. لكن الأول قاوم و صبر .. و الثاني استنجاب و انحدر

فما بالكم ان وصلت المقاومة عند الانسان الي درجة الصفر .. شخص لا يقاوم نفسه في أي شيء !! .. أعتقد أنه أصبح كالحيوان تحركه الغرائز و تدفعه رغباته التي تمليها عليه نفسه .. و العقل الذي هو مصدر المقاومة أصبح لا وجود له أصبح صفر !! .. و هكذا قد يعود الانسان الي بهيميته و بدائيته .. في هذا الطريق يسقط الانسان

وفي الواقع ان مسألة المقاومة و علي الرغم من اختلافها من فرد لآخر أو بعبارة أكثر دقة من عزيمة فرد لعزيمة آخر فهي تخضع لعوامل عدة .. فان كل منا يمتلك بداخله الخير و الشر .. فلا شك ان الدوافع الانسانية اما للارتكاب الاحسان و الخير أو لارتكاب الذنب و الشر موجودة بداخل كل منّا .. فلا أحد يولد علي مهد الذنوب و لا أحد يرضع القبح و الشر !! .. و انما الأصل في الانسان الخير .. و لكن قدرة الانسان علي ترويض نفسه هي صفة مكتسبة أصيلة .. ترجع الي رغبة الانسان أصلا في المقاومة من عدمها

فيمكننا القول أن الذين يسكنون في قمة الدنيا و الذين يغوصون في قاعها .. في الحقيقة يمتلكون صراع داخلي .. هو صراع الطبيعة .. بين  الأخلاق و عدمها .. بين الخير و عدمه .. لأنه في الحقيقة الشر شيء لاوجود له و انما هو انعدام الخير ذلك الذي نطلق عليه نحن شرا !! .. وعلي هذا فان المقاومة أصلا هي مقاومة الخير للشر .. بل انها مقاومة حتي الأمل لليأس .. مقاومة كل ما هو ايجابي في وجه كل ما هو سلبي !!

و دور الانسان في تلك المقاومة هو الأهم لأنه هو صاحب العقل و المنطق و الحجة دائما ! .. هو الذي لديه أسباب المقاومة و مبررارت الاستسلام في كل لحظة ! .. و فقط ارادته و لا شيء آخر هي التي تحدد ما اذا كان يريد المقاومة أم أنه يؤثر الاستسلام في وجه مغريات الدنيا .. و لكن أحيانا نغالب الدنيا حتي تغلبنا فهي مرهقة و بشدة فقد نضعف أحيانا و لكن الأهم ألا تأخذنا الرغبات في طريق اللاعودة .. لا بد من العودة سريعا الي كفاح المقاومة !

ولهذا كان كلنا انسانا .. فُطرنا متساوين .. رصيدنا في الحياة بل و حتي في الآخرة أيضا صفر .. و نحن أولئك الذين يسطرون كتبهم التي يحاسبون عليها .. نملأ صحفنا التي تٌنشر بأسمائنا .. فكلنا محسن و كلنا مسيء .. كلنا له سقطاته و كلنا له احسانه .. فليس منا ابليسا ولا شيطان و ليس منا نبي و لا عذراء .. كلنا يا حضرات السادة .. أنا و أنتم .. هو هذا الانسان !!
  

الخميس، 6 أكتوبر 2011

عقارب الساعة


انها دائما تسير الي الامام ... لم تتوقف يوما عن التحرك .. لم تفكر في العودة الي الخلف .. انها عقارب الساعة ! .. فمهما تكن الأحداث من حولها .. انها تمر في حركتها المنضبطة .. لا تسرع الخطا و لا تبطئها .. لا تكترث بأي شيء حولها .. لا ضحكات مسرور .. ولا أنين مريض !

الزمن يمضي و يمضي معه كل شيء .. العمر يفني و الزمن يستمر ! .. كم من لحظة تمر علينا تمنينا لو لم تنتهي و تمنينا لو طالت .. و كم من أخري نتمني لو تمر كالبرق فلا نشعر بها .. في الواقع لا توجد لحظة ثقيلة أو لحظة سريعة .. أنما الوقت كله نابع من احساس الانسان

فمأساة الزمان أننا لسنا من نحركه ... فهو من يتحكم بنا لسنا من نتحكم به !  .. فهو من يتحكم بنا لسنا من نتحكم به ! .. فالانسان يتمني لو أن الوقت بيده يوقفه تارة و يجري به تارة .. و لكن لو فعل الانسان لاكتشف شيئا مذهلا   ...

ان اللحظات السعيدة قد تكون سعيدة فقط لأنها قصيرة .. لأنها تتنهي فيشعر بقيمتها .. لو امتدت لملّ الانسان منها و سأم !! ..   وعلي العكس اللحظات المرة لو طالت سيتعلم الانسان الكثير .. فالصبر و الايمان و التحمل هي خصال لا شيء يجعلك تتعلمها قدرما تتعلمها من اللحظات الصعبة !!

في الواقع أن الزمن مروره هو جزء من قيمة أي شيء .. و عقارب الساعة التي تدور و تدور معها أعين من ينظر اليها تؤدي مهمة مقدسة في حياة الانسان .. فهي تمنح الانسان فرصة للتجربة و الخطأ .. للتفكير و التوبة أيضا! ..

كل شيء يمر و العقارب لا تتوقف .. و الانسان هو مقياس وقته الوحيد .. الزمن يسير و نحن أيضا نسير .. في كل لحظة تمر عليك سعيدة أو مؤلمة أعلم أن لها نهاية فلا تفرط في الفرح و لا في اليأس .. فقط فكر في اللحظة التالية ..

الجمعة، 2 سبتمبر 2011

دينوفوبيا


الكثير مصابون بها .. سواء بعلم أو بدون علم .. انها ليست مرض العصر و انما هي مرض كل عصر .. انها الدينوفوبيا !! .. و لكن ما هي الدينوفوبيا؟! .. الفوبيا هي الخوف المرضي .. و علي ذلك فان الدينوفوبيا هي الخوف الديني.

المصابون بالدينوفوبيا نوعان .. اما خائفون من الدين .. أو خائفون علي الدين .. و الخوف علي الدين ليس مرض الا اذا أصبح هستيريا
و الانسان مُعرض أن يُصاب بالدينوفوبيا مهما يكن دينه اذا وضع الدين في قالب خاص من حياته ! .. و هذا خطأ فيجب ألا نفصل الدين عن الدنيا

فأما الصنف الأول فهم الخائفون علي الدين ( بصورة هستيريا ) و أولئك يصيبهم بل و يتمكن منهم المرض اللعين الذي يُعاني منه الانسان منذ أن قتل قابيل هابيل حينها تعصب لنفسه ! .. و هؤلاء أيضا يصبهم التعصب للدين .. و أخطر متعصب هو المتعصب للدين .. بل بعبارة أوضح المتعصب بأسم الدين !! .. لأن مثل هذا الشخص من المستحيل تقنعه بأنه ليس علي صواب .. و يكون شديد الايمان بما يصنع بل و يظن أنه الخير .. فربما يقتل أبرياء تحت مُسمي الجهاد .. و ربما يقترف من الكوارث ما يقترف دون أن يدري أنه يفسد في الأرض .. بل يظنون أنهم يحسنون صنعا !! 

و الصنف الثاني يا سادة لا يقل في خطورته عن الصنف الأول .. لأنهم خائفين أصلا من الدين .. يرون فيه تعاسة و فقدان للذة الحياة و الخوف الذي ينتابه لأنه يري الدين الجانب المظلم الذي اذا ذُكر فلا ضحك ترسمها الشفاة .. و لا سعادة ينبض بها القلب ! .. أخذوا أن الدين هو الصلاة و العبادات المختلفة فحسب .. و لا ننكر أنها أساسيات و لابد منها .. و لكن كم من قائم يُصلي و باله مشغول بالدنيا و كم من نائم و قلبه مشغول بذكر الله ! .. العبرة ليست بالعبادات بل بمن يعبد .. و تلك النقطة الفاصلة في مسألة الدين 

الدين هو الحاضر في كل شيء .. الغائب أيضا !! .. كيف يكون ذلك؟؟ ! فالدين جوهره هو روح كل عمل نقوم به ! .. فكل شيء نفعله نزنه بقلوبنا ..ذلك الميزان هو ميزان الدين .. أما غيابه فالمقصود غياب عن الأنظار .. فالدين نحس به في أفعالنا قبل أن نلتمسه في صورنا .. الدين هو مسألة روحية قلبية بحتة .. اذا شعرت بها نجوت من الدينوفوبيا.

السبت، 16 يوليو 2011

أرض لم تطئها الملائكة

انه يعيش علي الأرض .. و الأرض بأبسط الكلمات هو صراع التناقضات ابتداء من الكفر و الايمان .. و الخير و الشر .. نهاية بالغني و الفقر و حتي الطموح و اليأس!!
 هو مغرم بأن يتقمس دور البطولة .. دور الفارس في روايات يوسف السباعي .. دور المُصلح الاجتماعي .. دور الناقد .. دور الواعظ  .. أطلق عليه ما شئت .. لكنه الدور الذي يحبه الانسان و يتقمسه بطلقائية شديدة و ببراعة أشد

الانسان نادرًا ما يعجز .. نادرًا ما يجهل .. نادرًا ما يُخطيء .. هكذا هو يعتقد .. و لكنه في الحقيقة أشد عجزًا و جهلًا و أكثر المخلوقات خطيئةً و لكن دون أن يدرك
الأمر ببساطة لن يستقيم ما دام كل ما يهم الانسان أن يفتش في عيوب الدنيا و ساكنيها .. و لا يحمله عقله أن يفكر في عيوبه و لو لدقيقة ! .. الانسان قد يعيش حياته و يموت دون أن يكتشف في نفسه عيبا ! .. فان الاهتمام المفرط بأخطاء الأخرين يجعلك تموت قبل أن تتاح لك الفرصة في أن تتعرف علي أخطاءك .. هكذا قال من قبلنا

ستكتشف بشاعة صنيع الانسان اذا فكرت كيف يمكن أن تكون قاضي في قضية أنت متهم فيها؟!! ... الكل ينتقد بشدة غيره في الوقت الذي فيه لم يفكر أن ينتقد فيه نفسه .. هو الملاك الوحيد علي أرض الشياطين ! .. و لكن بكل أسف ان أرضنا لم تتطئها الملائكة بعد أيها السادة. قليلون من أحسنوا فهم غيرهم .. و قليلون جدا من أحسنوا فهم أنفسهم !! ..
رغم أن معرفة النفس أول الطريق لمعرفة الله ! .. كما يقول د. مصطفي محمود


عذراً .. ليس منَّا ملاكا لا يُذنب .. و لا شيطانا لا يحسن صنعا .. و كذلك ليس منّا الهاً متطلع علي النوايا و قادرا علي اصدار أحكاما لا شك في نزاهتها و عدلها .. اننا بشر  و كلنا ذوو خطايا .. و كلنا ممتلئون بالعيوب ! .. و كلنا نطلب الرحمة و المغفرة من القادر الوحيد !
اعقلوها جيدا .. و حاسبوا أنفسكم أولاً !! 

الجمعة، 27 مايو 2011

مكعب روبيك


هكذا هي الحياة و هكذا حال الانسان فيها تشبه الي حد بعيد مكعب روبيك !... و لمن لا يعرف ما هو مكعب روبيك فهو مكعب كبير يتكون من عدد من المربعات الصغيرة لكل منها لون معين .. و تدور تلك المربعات جميعا حول محورر واحد و يحاول اللاعب أن يجمع كل لون من ألوان المربعات في أحد أوجه المكعب 

فالانسان هنا هو اللاعب و كل شيء من حوله هو مكعب روبيك .. الأمر ليس لغزا .. فالمشكلة الحقيقية في الانسان أنه يمتلك عقلا ! .. ليس بالضرورة أن يتفق البشر جميعا علي شيء واحد ... فما تراه صحيحا يراه غيرك خاطئا !! .. و أمزجة الناس متباينة الي حد كبير .. فما هو يسعدك قد يكون سبب عكنانة لغيرك !! .. و بالتالي لابد و أن تتحقق سعادة البعض علي حساب البعض .. و لابد دائما و أنه هناك حزين ما دام هناك سعيد ...هناك ساخط ما دام هناك راض .. هناك منتصر ما دام هناك مهزوم .. و علي هذا النحو تسير الحياة 
و علي هذا النحو أيضا يشقي الانسان! .. لأنه لا يريد أن يكون الخاسر أبدا .. فهو دائما علي صواب و الاخرين لابد و أنهم مخطئون !! .. بل الأخطر من ذلك أن تتعصب الي رأي معين أو اتجاه معين .. و التعصب هي مصيبة الانسان الكبري ! .. لأن المتعصب لا يري بعقله .. ولا حتي بعينه .. بل يري بحمقه و قلة عقله !! .. فالمتعصبون لا يرون الحق و لا الحقيقة ! .. بل يرون الدنيا من أضيق زواياها
وفي الحقيقة المتعصبون أنواع .. ليس من بينهم المتعصب المتدين ولا المتعصب العاقل !! .. لأن الدين يهذب تفكير الانسان و يرشد حكمه غلي الأشياء .. و أما العاقل فهو يعلم أن الحياة في يد الجميع .. و كلنا مخطئون و كلنا مصيبون .. و اذا كان هناك يوما لابد فيه و أن تنتصر .. فلا تنسي يوما لابد فيه و أن تخسر ! .. و لا عجب في ذلك فهذا حال الدنيا  
و علي ذلك يحاول الانسان منذ بدء الخليقة أن يرتب مربعات مكعب روبيك بأن يجمع اللون الأحمر في أحد أوجه المكعب .. و اللون الأخضر في وجه آخر .. و اللون الأزرق في وجه ثالث .. و هكذا ! .. و لكنه كلما رتّب أحد الأوجه افسد ترتيب وجه آخر !! ... هذا في المكعب ... فكيف يكون الانسان؟! .. و كيف تُسعد ملايين البشر علي أختلاف أمزجتهم و طبائعهم و أهتمامتهم !! .. كيف تتصور أن هناك فائزون مدي الحياة و هناك خاسرون مدي الحياة؟!! .. بل السؤال الأهم كيف ترضي كل الناس في وقت واحد؟!!!! ... حقا ارضاء الناس غاية لا تدرك
اذن لتعيش سعيدا اذا أنتصرت يوما لا تتكبر و تفرح .. و اذا انكسرت يوما فلا تكتئب و تحزن فالحياة لا دوام لشيء فيها .. و انت لست الا مربع في مكعب روبيك !!!